رغم كشف وفضح خدعة التسويق الهرمي منذ أكثر من قرن، إلا أنها تعود للظهور في كل مرة لتجد من تجنده للقيام بمهمات البيع الوهمي، بدلاً من بيع المنتجات في حد ذاتها. فالعملية ما هي إلا حلقة مفرغة من زبائن يجذبون زبائن آخرين ضمن منظومة احتيال كبيرة.
في الآونة الأخيرة، وبالتوازي مع زيادة الاهتمام بالعملات المشفرة، عادت إلى الواجهة مجدداً قضية التسويق الهرمي والمعروفة أيضاً باسم “خدعة بونزي” نسبةً إلى اسم مبتكرها الإيطالي تشارلز بونزي الذي هاجر إلى الولايات المتحدة بداية القرن العشرين بعد أن كاد أن يسجن في موطنه جراء عمليات احتيال متتالية فاشلة.
ورغم من مرور أكثر من قرن على خدعة بونزي وفضح حيلها مراراً، فإن خطة الاحتيال هذه ما زالت تلقى رواجاً كبيراً حتى يومنا الحالي، وخصوصاً بين صفوف الأشخاص الذين يحلمون بالغنى الفاحش السريع والسهل، والذين في الأغلب ينتمون إلى فئة الخريجين الجدد العاطلين عن العمل أو الموظفين محدودي الدخل.
ومن خلال ترويجها لطرق استثمار متنوعة ومختلفة قد تكون شرعية، تستمر خدعة الثراء السريع، التي لا تتطلب خبرة أو مستوى تعليمي، في تدمير حياة الكثير من الأشخاص رغم شعارها المتمثل بالفوز للجانبين الذي يبدو جاذباً في البداية لكنه محكوم عليه بالفشل في كل مرة.
أصل الحكاية
تشارلز بونزي
بدأت القصة بداية القرن الماضي من قبل تشارلز بونزي الذي ولد ونشأ في إيطاليا وهاجر إلى الولايات المتحدة بعدما تلطخت سمعته في موطنه الأم بسبب عمليات الاحتيال التي نفذها. وخلال سنواته الأولي في أمريكا تنقل بونزي في أكثر من وظيفة إلى أن انتقل ليعمل بأحد البنوك الإيطالية في مدينة مونتريال الكندية، وهناك تعرض للسجن 3 سنوات بعدما قُبض عليه متلبساً في عملية تزوير شيكات.
وعقب انتهاء فترة عقوبته بكندا، عاد إلى الولايات المتحد ليجد أن وكالات البريد كانت قد ابتكرت بطاقات (الطوابع) دولية تُمكّن الناس في أي دولة من التواصل بسهولة، وهناك أتته فكرة الاحتيال التي غيرت حياته وحياة الملايين من بعده (للأسوء طبعاً).
وعلى الفور أعلن بونزي عن مشروعه الاستثماري الواعد، حيث وعد عملائه بمضاعفة استثماراتهم خلال 3 أشهر فقط في بيئة كانت بها معدلات الفائدة المصرفية السنوية حوالي 5%، وذلك عن طريق شراء الطوابع البريدية المخفضة في بلدان أخرى واستردادها قيمتها الاسمية في الولايات المتحدة كشكل من أشكال المراجحة.
استمر مخططه لعام واحد تقريباً قبل أن ينهار، نجح بونزي خلاله من الدفع للمستثمرين السابقين باستخدام استثمارات المستثمرين الجدد، فيما تمكن هو من زيادة ثروته من 150 دولاراً في ديسمبر/كانون الأول 1919 إلى ما مجموعه 20 مليون دولار في أغسطس/آب 1920، الأمر الذي كلف “مستثمريه” 20 مليون دولار (258 مليون دولار في عام 2021).
ما هو التسويق الهرمي؟
يطلق مصطلح التسويق الهرمي أو الشبكي على نموذج عمل غير مستقر قد يبدو قانوني في البداية، هدفه جمع المال من أكبر عدد من المشتركين، بينما يكون المستفيد الأكبر هو المتربع على رأس الهرم. كما يطلق على عمليات الاحتيال هذه اسم “خدعة بونزي” (Ponzi Scheme) نسبةً إلى مبتكرها الأول الإيطالي تشارلز بونزي.
وفي التسويق الهرمي يشكل المجندون الجدد قاعدة الهرم، حيث يقدمون التمويل على شكل نفقات مالية جديدة للمستثمرين/المجندين الأوائل الذين ينظَّموا فوقهم في المخطط الهرمي، نظير إعطائهم خدمات أو ربح رمزي إذا ما استطاعوا إقناع آخرين بالاشتراك بعدهم.
وبينما يستخدم المحتال بعض الأموال التي جُمعت لسداد حصص المشاركين الأوائل، فإنه يحتفظ بمعظم الأموال لنفسه. لكن في حال عدم العثور على عدد كافٍ من المشاركين الجدد، فسيتعطل النظام وينهار مخلفاً وراءه ضحايا بالآلاف. المفتاح لجعل النظام يعمل هو تقديم فكرة يشتريها الناس.
تجدر الإشارة إلى أن 32 عملية احتيال مماثلة حدثت في الولايات المتحدة منذ عام 2010. لكن أبرزها ما فعله الرئيس السابق لبورصة ناسداك الإلكترونية، رنارد مادوف، والذي وضع توقيعه على أكبر عملية احتيال بالتاريخ، وذلك بعدما سرق مبلغ يقدر بـ50 مليار دولار من بنوك وصناديق استثمارية، وانكشف مخططه الهرمي أثناء الأزمة الاقتصادية التي ضربت أمريكا والعالم عام 2008.
كيف يعمل النظام؟
والآن، لنفترض أن شخصاً ما (المحتال) أقنع 5 أشخاص لدفع 1000 دولار من أجل الدخول في النظام عبر شراء خدمة أو منتج ما نظير مضاعفة أموالهم خلال 3 شهور،
ثم أقنع هؤلاء 5 آخرين لدخول النظام، ليكونوا الطبقة الثانية في المخطط الهرمي. عقب انتهاء مدة الاستثمار سيخير “المحتال” المستثمرين الـ 5 الأوائل إما الحصول على أموالهم بالإضافة للأرباح (سيمولها من الأموال التي يدفعها الأشخاص في الطبقة الثانية) وإما الاستمرار بالاستثمار، هنا لن يقبلوا بالاستثمار فقط، بل سيدعون اصدقائهم واقربائهم للاستثمار أيضاً، الأمر الذي من شأنه أن يوسع قاعدة وطبقات الهرم ويزيد من عمر العملية أيضاً.
وهكذا، طالما أن هناك ثقة تامة في قدراته (المحتال) على السداد في الوقت المطلوب منه، سوف يزداد عدد عملائه بشكل استثنائي، وعليه يعمل النظام بكفاءة حيث كلما تكونت طبقة جديدة استخدم المحتال أموالها لإعطاء المستثمرين السابقين أموالهم، وبطبيعة الحال يأخذ الفائض لنفسه.
لكن في اللحظة التي يتوقف بها قدوم عملاء (ضحايا) جدد أو بسبب ظروف اقتصادية كارثية، ستتوقف العملية وتنهار معها طبقات النظام الهرمي بشكل مدوي وبسرعة مهولة، مخلفاً وراءه مفلسين بالآلاف.
المصدر : TRT عربي